مشاهد .. ضيف الله القرشي


المشهد الأول:
تفجيرات تحدث في القطيف، راح ضحيتها أبرياء لا ذنب لهم، فأستنكر المجتمع بكل أطيافه هذا الفعل الغير إسلامي ولا إنساني من الأساس، لا لأن الضحية من هذه الطائفة أو ذلك اللون أو تلك القبيلة، بل لأن الضحية "إنسان"، والإنسان دائماً هو "نص" مقدس، بل إنه أقدس المقدسات، دمه، ماله، عرضه، حياته، حريته، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام (لزوال الدنيا جميعاً أهو عند الله من دمٍ يسفك بغير حق).

المشهد الثاني:
غضب، إمتعاض، إنفعال، والكثير من الأحاسيس التي من الطبيعي أن يشعر بها أهل الضحايا، لا بأس، فالدم الذي تم هدره ليس بالدم الرخيص، لكن لا يجب أن تطغى هذه الأحاسيس على صوت العقل، وهذا ما حدث فعلاً، حيث سارع الكثيرون من "عقلاء الشيعة" إلى إحتواء الموقف سريعاً، دعوا إلى عدم الإستسلام للغضب، سارعوا إلى إطفاء النيران التي إن اشتعلت فلن ترحم أحد، إلا أن أصواتً نشاز خرجت وهي تدعوا الله أن لا تنطفئ هذه النار.

المشهد الثالث:
أسئلة يطرحها معممون حاقدون على شاكلة:
إن لم يستطع الغير أن يحمينا فلنُنسِق ونُوكِل الأمر لأنفسنا!
هل نحن مستهدفون دون غيرنا؟!
هل نحن قادرون على حماية أنفسنا؟!
هل الغير قادر على حمايتنا؟! .. والغير هنا هي الدولة !
تتابع الأسئلة من هنا وهناك، ورغم كونها أسئلة نشاز في بيئة تدعوا للتعقل والهدوء إلا أن هذا النشاز وجد طريقه بشكل أو بأخر، ليخرج في الأخير على هيئة "حشد شيعي في القطيف" مهمته الحفاظ على سلامة المنطقة وتوفير القدر المطلوب من الآمن، وكأننا في غابة وليس في دولة قادرة على حِفظ وصيانة الآمن والآمان للجميع.

المشهد الرابع:
الشاب "ضيف الله القرشي" يخرج من مدينة الطائف قاصداً البحرين برفقة بعض الأصدقاه، فقامت الجهات الأمنية على جسر الملك فهد بإعادتهم، ليعودوا أدراجهم قاصدين مدينتهم "الطائف"، وفي الطريق عرجوا إلى العوامية، وما إن دخلوها حتى لحق بهم شباب من العوامية وبدأوا بلا مبررات في إطلاق النار عليهم عبر سلاحٍ رشاش، لتستقر إحدى الطلقات في رأس الشاب" ضيف الله القرشي" ويفارق الحياة إلى رحمة الله، بعدها باشرت الجهات المختصة الحادثة.

المشهد الخامس:
الوضع هادئ في بلدة العوامية، الوضع هادئ في القطيف، الوضع هادئ في كل الوطن، لا إستنكار على هذا الفعل الشنيع، لا تبرؤ صريح من أفعال الجناة، لم يقل أحد بأن الجناة لا يمثلون سوى أنفسهم، لم يبكي أحد على دم الشاب الذي تمت إراقته ظلماً وعدوان، لا خطب عصماء، لا قصائد نثرية، لا فتاوي بتحريم الطائفية، لا مقالات عن الوطنية .. لا شيء يحدث وكأنه لم يحدث شيء !!

لقد قُتِل الشاب على الهوية، ولم ينتبه أحد إلى أنه قُتِل على الهوية!
لقد سُئِّل الشاب قبل أن يُقتل: لماذا أتيت للعوامية؟!، ولم ينتبه أحد إلى أن هذا السؤال دلالة كفر بالوحدة الوطنية!
إن القاتل هنا ليس من حمل السلاح، إن من حمل السلاح أيضاً ضحية، إنه ضحية لمُعمم أقنعه بأن الدولة غير قادرة على حمايته، ثم زيّن له حمل السلاح ليؤدي دور الدولة بالنيابة.

**

للأسف، هنالك أصوات في الوسط الشيعي داخل القطيف، تجد لها منفذ إلى صدور الشباب، أصوات تزين للشباب تأدية أدوار الدولة بالإنابة، تزين لهم القيام بأدوار القضاة والجلادين في آن، تجيز لهم إصدار الأحكام ومحاكمة الأخر وقتله إن لزِم الآمر على الشبهة!
إن السؤال هنا ليس: أين الدولة؟، فالدولة موجودة وتقوم بعملها على أكمل وجه
السؤال: أين الأصوات العاقلة في القطيف؟!، أين عقلاء الشيعة؟، لما لم نسمع لهم صوت في هذه الحادثة؟
قد بكينا لقتلاهم فلم لا يبكون لقتلانا؟!، أم إن الدماء ليست جميعاً بتلك القدسية؟!.

إنها بادرة خطيرة، أن يُقتل مواطن على الهوية، والأخطر من أن يُقتل مواطن على الهوية هو أن يُوجد من يُبارك للقاتل أنه قتل على الهوية، الأخطر أن يجد القاتل من يبرر له فعله القبيح، وهذا أحدهم يتحدث بكل صراحة وصفاقة أن المقتول "يستاهل" لماذا يتجول في العوامية والجميع يعلم أن يقظة أهالي القطيف إرتفعت بعد غدر الإرهاب بهم!!.

وهذا مثقف نحترمه ونقدره، يصرح علانية بأن الأمر بالكامل لا يعنيه من قريب أو بعيد، فلا هو القاتل ولا هو ولي الدم ولا هو برئيس البلدية، بمعنى آخر "لا تكبرون السالفة"!، رغم أن مثقفنا القدير بكى كثيراً وبكينا معه كثيراً على ضحايا القطيف، إلى أن قال لنا مؤكداً أن كل السعوديين أهل عزاء في مصاب القطيف، لكننا وجدناه في هذا المصاب لا يهتم ويصرح بأن الأمر لا يعنيه!

عموماً، نحن نثق بعد الله في رجال أمن هذا الوطن، الخوف هنا ليس على الأمن، الخوف هنا على الأفكار والمعتقدات والمفاهيم، الخوف أن هنالك في الوسط الشيعي من يغض الطرف ويلتزم الصمت، وهنالك من يحرض على القتل ويجيز تأدية دور الدولة بالإنابة!.
أن يُقتل مواطن على الهوية فلهذا الفعل تبعات سوداء ستحدث وإن ألقي القبض على الجناة! .. وطالما هنالك من يلتزم الصمت، طالما هنالك من يبارك من تحت الطاولة، فالقادم من القطيف أسوأ.

هناك تعليقان (2) :

  1. اُحب ان اشكرك امين طلال . الشكر والامتنان لك فأن كاتب ✍️ بفكر مرتب ولطيف بالمعنى والفهم . اتمنى لك التوفيق والنجاحات المستمرة . اخوك عبدالمجيد من مدينة 🏙 الرياض

    ردحذف