سوبرمان المنتظر

لو تتبعنا الأحداث التي حدثت خلال الثلاث العقود الماضية، بدءً من حادثة جهيمان مروراً بالجهاد في أفغانستان وإنتهاءً بهذا الربيع العربي الذي نعيشه، لوجدنا أن "المهدي" كان حاضراً في كل هذه الأحداث -ليس بشخصه- إنما بإستحضارنا لسيرته، وهاهي سيرته تعود اليوم وبقوة من خلال ثورة الشعب السوري، لدرجة أن البعض يكاد يُقسِم أن موعد ظهور المهدي قريب جداً!، والبعض هنا منهم عُلماء مُعتبرين لهم مكانتهم المرموقة –للأسف- .. وإن كانت سيرة المهدي حاضرة بهذه الكثرة خلال الثلاثة عقود الماضية من عمر الحضارة الإسلامية، فماذا عن كل الأحداث التي شهدها المسلمين؟، ماذا لو كان المهدي أحد الأسباب في عزوف الكثيرين عن الإنضمام لجيش صلاح الدين الأيوبي؟، ماذا لو لم تكن سيرة المهدي حاضرة عند أتباع جهيمان؟، لماذا كلما إشتد كّربٌ في الأمة، وتحركت المشاعر للبحث عن حل، جاء المهدي ليُهديء النفوس القلِقة، ويُعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه؟ .. والمُؤسِف فعلاً في كل الأمر هو هذا الكم الهائل من الرؤى التي خرجت ومازالت تخرج لتحمل البشارات، فتمضي السنين ويُخيِّب الله ظن المُعبِّرين، والمؤلم أكثر أنه كلما خيَّب الله لهم ظناً عادوا ليُعبِّرون ويُبشِرون ويحُثون الناس على الإستزادة من النوم، كأن خلاص هذه الأمة في عالم الأحلام!
إن حالنا مع المهدي كحال شاباً هزيل يتعرض للضرب كل يوم، ثم يبحث عن منقداً يُخلِصه كلما تعرض للضرب، متجاهلاً أن إنقاد المُنقِد له لن يزيده قوة ولن يُضعِف خصمه، كل ما في الأمر أن المُنقِد سيجعله يرتاح لفترة من الضرب!، وهذا ما يحدث معنا، أننا لا نزداد قوة بإنتظار المهدي أو التغني بسيرته، وخصمنا لم يضعف أبداً، لأننا نسينا في معمعة الإنتظار أن لا سبيل لردع القوي إلا بإمتلاك القوة، ولا سبيل لإمتلاك القوة إلا بالتوقف أولاً عن إنتظار مُنقِداً يملء الأرض عدلاً بالنيابة عنـّا.
ولمعرفة سبل إمتلاك القوة علينا التأمل في صفات المهدي وأفعاله، فهو مثلاً: سيملأ الأرض عدلاً كما مُلئِت جوراً، وسيتحلى بالقوة والحكمة، بالإضافة إلى القوة الروحية التي تجعله لا يخشى في الله لومة لائم، وأنه سيوحد المسلمين، وسيُعامِل الجميع سواسية، وأن المال في زمانه سيُحَثُ حثاً، وسيأمن الجميع ... إلخ من الصفات والأفعال التي لو تأملناها جيداً لوجدنا أنها نفس الصفات والأفعال التي يحلم بإمتلاكها الضعيف حتى يصبح قوياً، أي أننا نُسقِط على المهدي ما نحتاجه فعلاً لنرتقي، إلا أن إسقاطنا تلك الصفات عليه يتوقف عند حد الإنتظار، وهنا الخلل لأن المفترض بنا أن نُطبِق هذه الصفات على أرض الواقع، أن تلتزم بالعدل والعدل الإجتماعي والقوة والحكمة وأن نتوحد فعلياً بلا مذهبية أو طائفية أو عنصرية، حينها سنكون واقعيين حتى في إنتظارنا!
وهاهو الغرب في الأمس القريب إبتكروا شخصية "سوبرمان" لكنهم لم يكتفوا بالإنتظار إنما راحوا يُطبِقون صِفاته وأعماله -التخيلية- على واقع مجتمعاتهم، والنتيجة ما نراه اليوم من إمتلاكهم للأقمار الصناعية والأسلحة المتطورة والإبحار في الفضاء وأعماق المحيطات، إن الغرب بهذا المفهوم قد حولوا "سوبرمان" من مفهوم فردي لا يصلح إلا للأفلام الخيالية إلى مفهوم جماعي، وبهذا أصبح الغرب أمة لا يُستهان بها، بينما نحن مازلنا في حالة إنتظار لا تخدم إلا الإستبداد!، لم نستوعب أبداً أن الخلاص الفعلي يكمن في إخراج صفات وأعمال المهدي من سراديب الحالة الفردية إلى التطبيق العملي الجماعي، لم نستوعب أيضاَ أننا أمة مهدية لا أمة مُنتظِرة! .. ثم إن المهدي لو خرج اليوم والأمة الإسلامية على حالها، بلا جامعات محترمة ولا مؤسسات ولا جيوش، بالإضافة إلى البطالة والفقر والتشتت، فلن يجد إلى إقامة العدل سبيلاً، لأنه وحتى يُقيم العدل عليه أولاً أن يوظف العاطلين ويُطوِر التعليم ويهتم بالصحة، ويُنهي المذهبية والطائفية ويُوحِد الجميع على كتاب الله!، لكننا نتجاهل كل هذا ونتهرب من كل ظروف الحاضر بتعقيداته الشائكة، إلى التغني بإنسان مؤيداً من الله يوجِد الحل الشامل بالسيف!، أن يجعل كل الأقوام تركع وهي صاغرة!، ولو أن هذا الحل سينجح فعلاً لنجح "هتلر"، بيد أن هذا الحل تحديداً سيكون وبالاً على رؤوسنا، فأمة تخوض الحروب دون أن تقضي على الأُمِّية والجهل فيها أمة لن تنتصر، لأن أمة بمواصفات اليوم تحديداً ستبدأ أولاً بمواجهة نفسها، وخير دليل هو ما نراه اليوم من إمتلاك كل طائفة في الإسلام لمهدي خاصاً بها، مهمته أولاً القضاء على الطوائف الإسلامية المخالفة لها قبل البدء بالحروب العالمية!!
أخيراً .. لست هنا لتكذيب حقيقة المهدي فهذا الأمر في علم الغيب والله أعلم به، لكن للبحث في دلالات إستحضار سيرته، إحدى تلك الدلالات أن هذا الإستحضار لسيرة المهدي يُعتبَر مقياساً على حال الأمة "أي أنه يغيب في حال إرتقاء أمة الإسلام، ويحضر في تخلفها" .. ودلالة أخرى، أن ليس في ظهوره دلالة خير، لأن مجرد ظهوره يعني إحتضار الأمة، الأمر أشبه بعودة النشاط للمحتضِر قبل أن توافيه المنيِّة بساعات!

هناك تعليق واحد :

  1. لقد صدقت يا عزيزي فهذه الأمة لاتعرف شيئآ أكثر من الهروب ، إنها حتي تهرب من نفسها إلي أعدائها ولاكني أعتقد بأن الأمر مختلف عن السابق فا بأمثالكم وأحرار هذه الأمة لن تتكرر هذه المهازل التي لم تنجح إلا في المزيد من قتلنا وتخلفنا وراء الأمم

    ردحذف