التغيير ومقاومة التغيير!


هل نحن نعيش اليوم أحداثاً مستحدثة من عدم؟ بمعنى هل ما نمر به اليوم لم يشهد له التاريخ مثيلاً؟ .. حسناً يمكن القول إن كل ما نعيشه من أحداث ليس إلا نسخاً مكررة آلاف المرات من أحداث حدثت منذ القدم وانتهت، وإن كان هنالك اختلاف فهو في الكيفية فقط. أحد تلك الأحداث التي يمكن اعتبارها كقانون اجتماعي يتكرر على الدوام هو "التغيير".. ونحن اليوم في معمعة هذا التغيير شئنا أم أبينا، وطالما سيخلفنا جيل آخر إذاً ستتكرر المسألة وستتبدل ملامحنا بالضرورة، لأن الأبناء لن يُقنِعهم اتباع نهج الآباء .. فلكل زمنٍ احتياجاته.
الشيء الآخر الذي يتكرر أيضاً مع كل عملية تغيير هو "مقاومة التغيير".. تلك المقاومة التي لا تنشأ بسبب المحافظة على السائد، إنما حِفاظاً على ما قد جلبه السائد من مكتسبات جمة لقادة هذه المقاومة ومتزعميها. لكن، وكما حدث على مدى التاريخ وسيحدث اليوم، سينجح التغيير في الأخير، وستندثر كل الحركات المقاومة له.
وإذا كان التغيير دليلاً على صحة المجتمع، على اعتباره يضيف الجديد، مع الانتباه أن الجديد الذي تمت إضافته لن يزيح القديم بالمجمل إنما سيزيح ما لم يعد ملائماً للمتغيرات، أو إنه يُكيِّف القديم حسب المتغيرات دون أن يزيحه، فإن مقاومة التغيير تعتبر دليلاً على تخلف أو داء في المجتمع. لكن هذا لا يعني أن مسألة التغيير تكون سهلة سلسة، إنما هي تحتاج إلى خلق جاهزية في النفوس للانتقال إلى "ما بعد".. تحتاج إلى إعطاء الجميع حق التساؤل والتساؤل الجريء أيضاً. وإعطاء الحق هنا لا يعني السماح بقدر ما يعني أن يكون التساؤل في العلن دون مضايقات، لأن التساؤل إن لم يتم في العلن فسيتم في الخفاء، حينها سيخرج الجديد كصدمة للمجتمع. وأول من ينكسر أمام صدمات المجتمع هم أولئك الرموز الذين ظاهرهم الصلابة على الحق، والتي لا تلين!
إننا عندما نتحدث عن التغيير فحتماً ولابد من العروج على سيرة قائد التغيير محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وعندما نعرج على سيرته ونهجه في التغيير سيطرأ سؤال عفوي: أي ذهب من قاوم التغيير الذي جاء به؟ ما الذي بقي وما الذي اندثر؟ إن أغلب من قاوم النبي – عليه الصلاة والسلام- لم يقاومه خوفاً من الجديد الذي لديه "الإسلام"، إنما خوفاً على ضياع المكتسبات المادية أو الاجتماعية التي جلبها السائد إليه. المفارقة أن الذين يقاومون التغيير اليوم يقاومونه بـ"قال الله وقال الرسول"! أليس من الغريب أن يكون أتباع "قائد التغيير" هم أول المحافظين على السائد؟ وعلى هؤلاء – أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم- أن يسايروا التغيير، أن يغيروا من خطاب النهي والزجر والنظر إلى الجديد أنه حتماً سيؤدي إلى الكفر والإلحاد.. إما هذا أو سيقول التغيير كلمته في الأخير، فإذا ما قال كلمته حتى ذلك الوقت فسيُقال أيضاً إن من قاوم التغيير قد قاومه بـ "قال الله وقال الرسول"

إن خطابات التكفير والزندقة وترهيب من يريد التغيير بالقانون أو بقانون "الدراع" لن تجدي أبداً، بل إن هذا النهج هو الذي سيضفي على التغيير صفة الفوضوية، لأنه سيجعل أجزاءً كثيرة من التغيير تنشأ عِناداً فقط في لغة الترهيب. ومسألة البكاء على المقدسات والثوابت أبداً لن تثني عن التغيير، ولم تعد المطالبات بالعودة إلى الانغلاق محل إنصات أبداً، خصوصاً أننا في عصر التقنية، حيث المعلومة ترد أسرع من الخاطر، والكل يدلي بدلوه بلا حسيب أو رقيب.
وللأمانة فإن هنالك طرفاً آخر يتزعم مقاومة التغيير باستحضار أقوال "ديكارت ونيتشه"، لإيهام الجميع أن الرضا بالسائد أفضل الحلول.. هؤلاء أيضاً يغلفون عملية حفاظهم على مكتسباتهم بغلاف ثقافي عقلاني، لكنهم في الأخير ليسوا أكثر من نسخة رديئة أعمتها مكتسباتها.
إلى كل مقاومي التغيير: قد انفرط العقد، وهذه حقيقة علينا تقبلها بحكمة ووعي، أما محاولة لملمة حباته الآن فهي عملية غير مجدية، لأن الآراء قد تناثرت في كل اتجاه، والأجدى والأهم اليوم أن يجدد مقاومو التغيير من أسلوبهم، أن يكونوا أكثر انفتاحاً على جميع الآراء، أن يتقبلوا الحقيقة التي تؤلمهم بكل رحابة صدر .. حقيقة أن "خطابهم لم يعد هو المتسيد اليوم".. وعلى مقاومي التغيير استيعاب حقيقة أن الشاب اليوم بات يمتلك وعياً وتحضراً وإلماماً بكل الأحداث، ويتطلع إلى المدنية بكل عزم دون أن ينسى أصالته.
هذا الشاب يوجه نقده اليوم إلى الليبرالي، وغداً لن يسلم منه الإسلامي، ليس كرهاً في الاثنين، إنما بحثاً عن التغيير دون أدلجة أو تحزب.. في قاموسه أن لا أحد فوق النقد، والتغيير لا يحتمل المجاملات، ولا قداسة لأحد يؤمن أن السائد ليس أكثر من عادات وأعراف وتقاليد مع الوقت والتكرار أصبحت تخنقه حتى بات أسيراً لما تعود.. هذا هو القيد الأخطر عليه، ولن يكسب ثقة هذا الشاب إلا من يساعده على كسر القيود.

0 التعليقات :

إرسال تعليق