ما أقبحها من ليبرالية

كحقيقة ثابتة لا تقبل التلميع أن موقعنا اليوم من الحضارة هو القاع ، إذاً فلنتحدث بأريحية أكثر طالما نحن قد سقطنا و انتهى الأمر لا داعي لإدعاء الطـُهر .
ولا تخبرني رجاءً أنك تحمل ديناً أو مذهباً أو معتقداً أفضل مما أحمله ، فلو كان ما عندك أفضل أو ما عندي أفضل فحتما ما جلسنا على هذا الحضيض لنتسامر .
وأنا على ثقة تمامً أنه لن نخرج من هذا الضياع إلا بمعجزة ، لآنا قد مددنا جدور تخلفنا عميقاً جداً بفضلك و بفضلي .
----------   ----------
السلفية .. الليبرالية .. العلمانية .. الوهابية .. الإخوانية ...... كنت أعلم أن للفساد عـِدة ملامح لكني لم أكن أدرك أن كل ملامحه بهذا القبح ، فمن يحاول أن يشوه السلفية إعتقاداً أن ليبراليته خير فهو كاذب ، كذلك من يحاول أن يشوه ملامح الليبرالية إعتقاداً أن سلفيته خير فهو كاذب ، فلم يـُخرج الله أنبياءً من نسل فيه زنى.
الحقيقة أن كل تلك التيارات التي لا تختلف إلا في مسمياتها فقط تتحمل وزر قيادة الشعوب العربية إلى الإنحلال و الضياع ، ومن الطبيعي أن تـُلقي كل جهة باللائمة على الأخرى فهم في الأخير في عرف الذاعرات ، لكن من الغباء أن نقتنع بطهارة من تتمرغ في الحضيض حتى إحترفت الرذيلة لمجرد أنها تقذف الأخرى في شرفها .
واليوم يجب أن نحاكم كل تلك الشعارات ، لأنها كلها تتحمل وزر غبائنا .
---
إلى أين سنسقط أكثر ؟
ليبراليونا أطلوا علينا حاملين شعارات أضخم من روؤسهم ، و أكبر من قدراتهم ، بل أعلى من قِيمهم و مبادئهم ، فأرادوا تطبيقها علينا بكل إستعلاء ، الغريب أن الليبرالية تدعوا للديمقراطية وليبراليونا يريدون تطبيقها بكل إستبداد ، لم تؤخذ أرائنا " هل نقبلها أما لأ ! " ، فكيف ستكون النتيجة النهائية إن كان بداية تطبيق الليبرالية بإستبداد ؟
أفسدوا أذاننا بمدنية على ورق ، مدنيتهم التي طرحوها لم تتعدى " تعري " المرأة و نسف كل القيم بجميلها و قبيحها ! وليس لديهم مشروع ينهض بالمجتمع إلا تحليل لبس العقال ! وكلنا نعلم أن إرتداء العقال حلال ! وأن إرتكاب الزنى حرام فحللوه بالعناوين البريئة " صديقة لا أكثر شرط عدم الإيلاج " ، ولم يتسائل أحدهم : هل للمواطن العربي همً غير لبس العقال أو الإستمتاع بالزنى ! ، مثلاً الحرية؟
والحقيقة إن مشروعهم النهضوي لم يتعدى ذلك اللمم ! لم يكن من ضمن مشروعهم على سبيل المثال بناء دولة المؤسسات ، ليبراليتهم لا تستوعب تلك المصطلحات لأنها أكبر من قناعاتهم ، فدولة المؤسسات قد تعطي " اللحى " مكانة أعلى وهذا في عرفهم هو الشيء الوحيد الحرام و إن كان بإختيار الشعب إختياراً نزيه .
لذلك إقتصر مشروعهم النهضوي الجبار على الإستهزاء بالإسلاميين أو بالمواطنيين الذين ينتقدوهم ، و تقديم التقارير الإستخباراتية في حقهم على هيئة مقالات ! ، وبمناسبة المقالات فهل وجدنا لهم إنتاجاً معرفي يتخطى " شوية " مقالات ؟

إن كان السلفي لا يجيد إلا التنطع في الدين ، فالليبرالي لا يجيد إلا التنطع في نقد السلفي ! .. حتى تفننوا في نقد كل ما يمت إلى الدين و كل شيء يرتبط بالدين ، وهم بخطابهم هذا جعلوا المتدين أكثر تنطعاً في الدين أعطوه سبباً ليتشنج في الدفاع عن الدين ، فعندما رفعوا شعار " فصل الدين عن الدولة " فقد أعطوه دافعاُ لأن يرفع شعار لا تطور إلا بدين الأباء ! مع علمهم أن غريمهم لا يحمل إلا إسلام الجمود و التخلف و الرجعية فأرادوه أن يتشدد أكثر في تخلفه بأسلوب بسيط وهو الإستهزاء دون طرح البديل .

وإن كان " علماء السلطان " محترفوا إنبطاح ولا يجيدون غيره ، فالليبرالي بات خليلهم في الفراش ! .. لذلك لا نسمع أنهم بدأوا في التحرك الفعلي لإرساء مباديء الديمقراطية ، لا نشاهدهم يدعون إلى محاكمة كل مسئول ، ولم يضع أحداً منهم مسألة إستنزاف المال العام على طاولة النقاش ، بل الأدهى أنهم يبررون الإستبداد و يشرحونه بشكل ثقافي ، وكيف أن من دلالات وعي المواطن أن يتقبل الخنوع و إن كان طعمه أمر من الخمر فهذا أقل مرارة من الإعتراض ! هو تفسير حداثي لـ " وإن جلد ظهرك " .

وإن كان المتدين يرى أن المرأة أقل مكانة من الرجل " إجتماعياً و عقلياً و دينياً " فالليبرالي قتل أنوثتها حين نادى بمساواتها مع الرجل ، الإثنان لم يطرحا فكرة التعايش بين الذكر و الأنثى كلاً حسب طبيعته ، هذا يريد وأدها و ذلك يريد منها أن تسترجل أو ربما يريد من الرجل أن يـُصبح خـُنثى حتى يتساويا .
---
من يتتبع الأمر سيجد أن الإنحطاط قد وقع ، و المتسببون فيه " الجميع " ، هي شراكة و مصالح متبادلة بينهم ، هي شركة الكل فيها موظف أجير و معبودهم مستبدهم .
شراكة قامت بهدف تحطيم الإنسان العربي و تأصيل الخضوع تارة بالفكر و تارة بالشرع ، شركاء في خلق زوابع و عواصف داخل المجتمع العربي و داخل العقل العربي حتى يظل تائهاً معهم في دوامة الصراعات الشفهية الحادة الفارغة من أي مضمون .
شراكة قامت لتشويه عنصرين أساسيين " المرأة و الدين " حتى ينشغل الجميع بهما عن كل شيء أخر .
الليبرالي في هذه الشراكة لا يرى في الدين إلا أفيون وهو إن لم يكن مقتنعاً بهذا إلا أنه مـُلزماً بترديده حتى يعطي شريكه المتدين دافعاً ليخلق منه أفيون فعلاً ، الإثنان يتعاملان مع الدين و الحياة أنهما عناصر كيميائية يـُحضران في مختبر .
الليبرالي في هذه الشراكة يحاول أن يرفع ثوب المرأة حتى يعطي المتدين سبباً لكي يتسبدل ثوبها بالقيود .
في الأخير تحول الوضع بالمجمل إلى أفيون لتخدير الشعوب ، حتى الليبرالية أصبحت أفيون .

يا سادة إن الليبرالية ليست شهونة حيوانية ، هي أفكاراً وضعية جاء بها الأخر لهدف سامي وهو الإرتقاء بالإنسان و بالمجتمع ، لكن كعادتنا حينما أخذنا من الدين فقط ما يـُغدي التخلف أخذنا من الليبرالية ما يغدي الطبائع الحيوانية في الإنسان " وهذا من باب التشبيه " وإلا فالحيوان بالفطرة معتدل مع بيئته .
وربما سنتفاجأ عندما نعلم أن الليبرالي الواعي هو من يعيش في تصالح مع المتدين ، و المتدين الصالح هو من يتقبل وجود الليبرالي بجانبه ، فالنقاط المشتركة بينهم كثيرة غير أن إبراز نقاط الإختلاف من قبل جهات لا تنتمي أصلاً إلى الإسلام و لا إلى الليبرالية هي ما سحبتنا إلى هذا الوضع .

ولا يزعلوا علي الليبراليين فإن كان يرضيهم ، أنا لست سلفي .. ولست وهابي .. ولست إخواني .. ولست علماني .. أنا " لا أحد " يكره كل هؤلاء

0 التعليقات :

إرسال تعليق