مالنا و مال السلف ؟


في الفِكر السلفي نجد أن " السلف " بأفعالهم و أقوالهم و إستنباطاتهم و إستنتاجاتهم كل ذلك يعتبر مصدراً من مصادر التشريع في الإسلام بعد الكتاب و السنة .. ثم يأتي التابعين و تابعي التابعين !
ليست المشكلة في السلف فهم توصلوا إلى أفضل ما يُمكن أن يُلائم بيئتهم و زمانهم ، ويشهد لهم في ذلك الكل و الجاحد من يُنكر أنهم قد أبدعوا في مسايرة زمانهم ، المشكلة التي يجب أن يعيها السلفي هي أن زماننا ليس زمانهم و بيئتنا ليست بيئتهم بالتالي فلا يُمكن الركون إلى نفس الأحكام رغم تغير طبيعة الزمان و المكان .

---

( س + ص = م )
لو افترضنا أن ( م ) = 6 كمثال ، سنجد أن المتغيرين ( س و ص ) يستوعبان أكثر من إحتمال ( 1 + 5 أو 2 + 4 أو 3 + 3 ) من الممكن في المعادلة أن تكون ( س = 5 ) أو أن تكون ( س = 1 ) .. إذاً نحن أمام ثابت واحد في المعادلة = 6 ، هذا الثابت و من أجل الوصول إليه نستطيع إتباع أكثر من طريقة و كلها ستكون في الأخير صحيحة طالما تأتي بنفس النتيجة .
لو حاولنا أن نجعل جميع عناصر المعادلة ثوابت فلن تكون عندنا معادلة إنما حقيقة ثابتة ، أي أن نعتبر ( 1 + 5 ) فقط هما العددان اللذان يوصلان إلى النتيجة ( 6 ) في هذه الحالة نحن لا نحتاج إلى إعمال العقل أبداً فكل عناصر المعادلة ثابتة أمامنا ولا تحتاج لتفكير .
وهذا ما يريده الفـِكر السلفي أن نتعامل مع كل عناصر الدين بأنها عناصر ثابتة ، ( 1 + 5 = 6 ) من الكفر أن تقول ( 2 + 4 = 6 ) وهنا الغبي من يـُفكر !
طبعاً إن صدقنا بهذا فيجب أن نؤمن بأنه لم يعد أمامنا مجال لإعمال العقل طالما كل شيء قد وضع في مكانه و إنتهى الأمر ، ولم يبقى إلا أن نحفظ و نردد ما قاله السلف دون فلسفة { قد تبين الرشد من الغي } !

في الفكر السلفي كل عناصر المعادلة ثابتة لذلك لا مجال للإضافة فقد حسم الأمر ، وتم إغلاق العقل .
في الفكر الرياضي يجب أن يكون أحد عناصر المعادلة ثابت و الباقي متغيرات ولكي نصل للنتيجة لابد من إتباع خطوات منطقية .
لكن في الدين و الشرع فإن كل عناصر المعادلة عبارة عن متغيرات ، النتائج لا نهائية بالتالي ستكون الطرق المؤدية لتلك النتائج أيضاً لا نهائية ، وهذه هي طبيعة عقل الإنسان يجب أن لا يوجد فيه ثوابت وإلا لخلقنا الله ملائكة " الله " ثابتً أمامها كيقين و أساليب عبادته ثوابت هي الأخرى .. أو لخلقنا الله حيوانات تختبيء لساعات لتنقض على فريسة ما ثم تعود للإختباء ثم تتحرك لإشباع غريزة التكاثر و تموت !

عموماً لنعود للمعادلة ( س + ص = م )
في الإسلام ، س = الزمن .. ص = البيئة أو المكان .. م = الخير
نلاحظ أن كل العناصر متغيرة ، فالزمن متغير و طبيعة المكان متغير ، و الخير متغير .. نحن إذاً لسنا أمام معادلة إنما شرع ، شرع غايته الوصول للخير بأي طريقة كانت شرط أن لا نستخدم عناصر " شيطانية " توصلنا للخير ، لذلك يقول تعالى { لا إكراه في الدين } أي لا يجب إستخدام الإكراه لكي تصل إلى الخير فذلك الفعل أسوأ من الشر لأن إستخدام الشر من أجل أرساء الخير سيشوه ملامح الخير في عقل الإنسان.

س = الزمن
و الزمن متغير في كل لحظة ، ولكل لحظة من لحظاته قوانيناً تطراء و مستجدات تـُستجد ، وإن كان الرجوع بالزمن أمر مستحيل فإن الرجوع إلى نفس قوانين الماضي أمراً لا يقل إستحالة أبداً ، فحتى الإنسان كفرد لو أعاد كتابة سطر قد كتبه لكتبه كل مرة بطريقة مختلفة ، هذا على مستوى الفرد وإلا فإن الزمن بالنسبة للمجتمع يتغير بشكل أضخم في كل لحظة ، حيث تطرأ أساليب جديدة و طرق عديدة و تتوالى المتغيرات بشكل تجعل عقل الفرد يقف عاجزاً أمام اللحاق بها .
فكيف يريدنا الفـكر السلفي أن نـُطبق نفس قوانين السلف قبل مئات الأعوام على حاضراُ يختلف في كل شيء ؟ .. بل لو أن الله أعاد إحياء أحد السلف في زماننا هذا لما إنضم إلى السلفية لأنه لو كان يحمل الفـِكر السلفي فعلاً لأبقى على الجاهلية دون أن يتزحزح عنها .

ص = البيئة أو المكان
البيئة كذلك تشهد تغيرات جذرية على الدوام " مكة " كمثال ليست هي مكة قريش التي بعث فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا أتحدث عن التغير العمراني و التطور المدني فيها إنما حتى عن المناخ و طبيعة الأرض ، ليست نفسها أبداً .. والتغير البيئي حتماً سيتبعه تغيراً جذرياً في طبائع الإنسان فالإنسان في البيئة الصحراوية مثلاً لا يشبه في طباعه و عاداته وحتى في ملامح جسده ذلك الإنسان الذي يسكن بالقرب من الغابات ، وهذا كمثال .
وهنا ستنتج أمامنا مشكلة أخرى ، أي من السلف نأخذ برأيه ؟ ، سلف البيئة الصحراوية أم سلف البيئة المدنية أم سلف البلاد الباردة " البخاري " ؟
وطالما الإنسان إبن بيئته سنجد أن فـِهم " سلمان الفارسي إبن فارس " يختلف عن فهم " خالد بن الوليد إبن مكة " و كلاهما يختلفان فكرياً عن " سعيد إبن الجبير إبن الحبشة " .. فأي الأفهام نتبع هنا ؟

م = الخير
ثم يأتي من يُحاول أن يُقنعنا بأن الخير كل الخير في إتباع السلف ! ، هذا يريد عـُنوة أن يزرع ثابتً في معادلة لا تقبل وجود ثوابت فيها .

ويبقى السؤال : يا أخي مالنا و مال السلف ؟
نقرأ لهم ، نقتبس منهم ، نترضى عليهم ، كل ذلك شيء جميل .. لكن أن نتبعهم و نتبع ما قالوه فهذا من الجنون .

هناك تعليقان (2) :