المجتمع و الخط الأحمر

إن العلاقة بين المجتمع و الفرد علاقة تبادلية تكاملية فكلاهما " الفرد و المجتمع " يأخذ من الأخر و يُعطي ، ولا يُمكن للفرد أن يحيا بدون مجتمع كذلك لا وجود لمجتمع بدون أفراد .
إلا أن هنالك حالة إستثنائية حيث يعيش فيها الفرد بدون مجتمع أو يتواجد مجتمع بلا أفراد .
تلك الحالة تأتي عندما تسود في المجتمع ثقافة " الخط الأحمر " ، فعندما يكون كل شيء و كل فكرة وكل حديث يريد أن يخوض فيه الفرد يـُصدم بـ خط أحمر و ممنوع و " الحيطان لها ودان " سينأى ذلك الفرد بنفسه عن المجتمع ويبحث لذاته عن نمط حياة يُناسبه بحثاً عن ملاذ يـُبعده عن تلك الخطوط الحمراء " بحثاً عن الآمان " هنا سيكون الفرد في حالة إنفصال عن مجتمعه .
كذلك فالمجتمع الذي يتلحف بالخطوط الحمراء هو في الواقع يبني ذاته على إستبعاد الأفراد وإستعبادهم والإستغناء عنهم ثم الإكتفاء بقلة تـُسيـِرهُ وفق أهوائها ، ليكون حينها مجتمعاً بالإسم فقط .

ولتفهم عزيزي طبيعة هذا الخط الأحمر الذي يلف مجتمعنا السعودي .
أشتري بوصلتين وأقطع تذكرة على لندن وهناك اسأل عن مدينة غرينتش ، ستجد أشهر معلم في تلك المدينة هو خط غرينتش ، قـِف عليه تماماً ثم ضع كل بوصلة على جانبي الخط ، سوف تجد كل بوصلة تدور في إتجاهً مختلف .
عد الأن إلى السعودية ولا تسأل عن مكان الخط الأحمر لأنك ستجده في كل مكان ، قـِف عليه تماماً ولاحظ مقدار التناقض ، فمن يرفع في وجه المجتمع شعار الخط الأحمر لا يتوانى هو عن مخالفة كل الخطوط الحمراء ، ومن يلتزم بالسير بعيداً عن الخط الأحمر يحاسب على الغفلة ! ، وهذه طبيعة المجتمع الذي يـُكثر من المحاذير سيكون منقسماً في تناقض عجيب بين قـِلة لا ترعى لله ذمة و أغلبية تـُقمع ! .

بصراحة ،،،
إن الخط الأحمر الذي تم رسمه على كامل الوطن ما وضِع إلا لحماية الفسادأولاً ، وثانياً لتغييب الفرد عما يدور حوله ، وثالثاً لتقنيين الفوضى و تبرير الفشل ! ، لذلك من الطبيعي أن تجد المجتمع المنقسم بالخط الأحمر يـحمي المستبد و يظلم المواطن .

إن كل شيء يا سادة في المجتمع السعودي هو خط أحمر لا يُـمكن تجاوزه ، وقبل الحديث عن " كل شيء " ، دعونا نعرف ما هو أو ما هي الأشياء التي لا يحميها الخط الأحمر .
في الحقيقة لا يوجد شيء في المجتمع السعودي لا يحميه ذلك الخط الأحمر، إلا شيئاً واحداً و هو الحرية الشخصية للفرد فهي دائماً مستباحة مُنتهكة لا يحميها قانون ولا عُرف و كل الخطوط امام إستباحتها خضراء ، فالفرد إذا ما أراد أن يُفكر أو أن يخطو للأمام أو حتى أن يطوف حول قبر أو يُقدس ولياً ، أو أن تخلع المرأة حجاباً أو أرادت الإنتحار كل ذلك ممنوع ، كأن المجتمع قد رسم خطاً أسود يفصل بين الفرد وبين حريته ! وطبعاً لا يخفى أن إعطاء الضؤ الأخضر لإنتهاك الحريات لا يعني إلا أن المجتمع يصنع مستبديه .

وبالمناسبة ،،،
اللون الأحمر هو أحد الألوان الثلاثة الرئيسية ، يتميز بإمكانية رؤية الإنسان له حتى من على بعد ، ودائماً يرمز إلى الخطر و التحذير و الرفض وهذه طبيعته ،والحديث عن الخط أو المليون خط  باللون الأحمر الذي غطى الوطن حديث طويل مؤلم .
فما هي الطريقة او الوسيلة الأنجح لتجاوز الخط الأحمر ؟
الجواب بكل بساطة أن تكفـُر به تماماً ، أن تـُؤمن بعدم وجوده من الأساس ، أن تردد " لا يوجد خط أحمر " و بأن كل ما في الأمر يكمن في كون المجتمع إفترض وجوده ثم على ذلك الإفتراض بُنيت ثقافتنا ، و مع تعاقب السنين أصبح الخط الأحمر الوهمي جزءً من أساسات الدين و العادات و الفِكر السقيم .
حتى أصبحت مسألة تجاوزه أو حتى محاولة تجاوزه حرام شرعاً عيب عُرفاً مـُخالفاً للعادات !
فإلى أي مدى وصلنا ؟

----------   ----------


غالباً عندما يتناقش إثنان حول العلماء والشيوخ يُـقطع النقاش من أحدهما بجملة " إنتبه ! ترى شيوخنا و علمائنا خط أحمر ، ترى لحومهم مسمومة !! "
قِس على هذا عزيزي كل موضوعاً أخر ، مثلاً :
الحديث عن السياسة الخارجية أو الداخلية ، الحديث عن عاداتنا البالية وأعرافنا المهترئة ، الحديث عن أخلاقنا التي باتت في الحضيض ، عن جشع التجار ، حتى عن المرور .
أو قل لأحدهم من باب التسامر في الحديث أن " الوضع الداخلي في الوطن متردي " ستأتيك صفعة لولبية مباغته " إلا السعودية .. تراك تعديت الخط الأحمر يا بزر ما بقى إلا إنت  !! " .


خلاصة الحديث ،،،
أن المجتمع سجن نفسه داخل الوطن ، و أسوار هذا السجن هي الخطوط الحمراء ، و كل يوم يمر يضيف على الخطوط أسلاكاً مكهربة !
ومجتمعاً يحمل هذه الثقافة لن يستطيع الفرد الذي هو نواته أن يُعطي المجتمع أي إنجاز ، لأنه أسيراً عند هذه الثقافة ، والفرد المـُحاط بالخطوط الحمراء لن يُنجز إلا عندما يكفر بكل خط أحمر يعترض طريقه .
فلا يوجد خط أحمر سوى في أوهامنا ، ولا يوجد شيء أو شخص مُقدس فوق النقد ، لأن من كانت حياته نظيفه و روحه طاهرة لا يختبيء خلف الخطوط الحمراء .

والمجتمع الصحي هو ما يـُصنـَف الحديث فيه إلى باب المباح دائماً .



وشكراً .....

0 التعليقات :

إرسال تعليق