جفت الأرض من النساء


أكاد لا أتفق مع المرأة في شيء ، و أصعب شيء عندي أن أفهمهما ! ، حتى إذا ما إتفقت معها على شيء فسريعاً ما سيتشتت ذلك الإتفاق في إتجاهان و سيستمر التشتت إلى أربع إتجاهات ، و هكذا حتى يتحول الإتفاق بيني و بينها إلى خلاف :)
ومرد هذا إلى أنني لا أحب أن أراها فقط " الأم العطوف ، الزوجة الحانية ، البنت الأمل ، الجوهرة المصون ...... " أكره جداً أن أتعامل معها على أنها فاكهة و نهر حنان و جواهر و ياقوت و رمز غـُنج ودلع ، كذلك و على النقيض تمامً أنا أبداً لا أراها مِثلي أو حتى تـُشبهني  " جافه صلبه غير قابله للين " .
بإختصار ، أحب أن أراها مجرد إنسان فيها كل عيوب الأرض وفيها كل خيراتها ، نفحة شيطان وصورة ملك ، لأن قدرها أن لا تكون مِثلي وقدري أن لا أكون مثلها ، و أؤمن أننا شيئان مختلفان كأننا جسداً واحد إنقسم لنصفين غير متشابهين لكنهما متـُكاملين .
قسوتي تحتاج لينها .
بكائها يحتاج عطفي .
تهوري يحتاج ثباتها .
خوفها يحتاج إقدامي .
هكذا أفهم المرأة أنها إنسان سواءً إتفقت معها أو إختلفت إلا أن الحياة بدونها ستغدوا جفافاً لا يُطاق و بوجودها أيضاً الحياة لا تـُحتمل ، غير أن وجودها الذي لا يُحتمل حتماً سيروي الأرض التي أقف عليها فأحتمل حينها قسوة الحياة ، و وجودي في حياتها سيُذلل لها الكثير من الصعاب فتحتمل طفولتي وإن كان على مضض .

لكن عند الحديث عن وطني فالوضع مختلف و للأمانة هو دائماً مختلف ، فكل شيء هنا لا يصنف أنه طبيعي .
فهذا الوطن لا أراه سيتقدم ، سيستمر جامداً لن يتحرك ، لأنه يقف على قدماً واحدة عندما أعفى جميع النساء من أن يشاركنه البناء .
في هذا الوطن الجفاف منتشر رغم أن الأرض عطشى ، السُقيا موجودة غير أن الساقي إرتأى أن لا يسقي حفاظاً على الفضيلة ، لهذا قد ضاعت الدنيا حينما شوهنا معالم الدين ، و شوهنا معالم الدين حينما إعتقدنا أن المرأة تهدم الفضيلة !

لماذا في هذا الوطن نعيش بدون أن نلتقي ؟
كيف سيفهم الرجل طبيعة المرأة وكيف ستفهم المرأة طبيعة الرجل إن لم يتعايشا سوية و يتشاركا بناء الوطن ؟
و طالما اللقاء بينهما لا يتم أبداً في العلن سيتم في أماكن مغلقة ، و لا أقصد هنا إلا الحديث عن عش الزوجية ، لأنه و لأنها عاشوا حياتهم دون أن يلتقيا ثم و بشكل مفاجيء وجدا نفسيهما في " عش الزوجية " و قد غـُلـِقّ عليهما الباب ثم أدار المجتمع لهما ظهره داعياً لهما بالتوفيق و الرفاة و البنين !
ليجلس أمامها حائراً و تحتار هي أمامه ، و كِلاهما سيتسائل داخله في تلك اللحظات ، كيف يـُفكر هذا الجالس أمامي و كيف تـُفكِر هي ؟!
كلاهما لا يعرف كيف سيُرضي الأخر ، كيف يتفاهم مع الأخر ، كيف سيتعايشان و هما طيلة فترة حياتهما لم يكونا يعرفان إلا أن مجرد إلتقائهم " حرام " ثم فجأة و بلا مقدمات أصبح ذلك الحرام حلالاً .
طبيعي إذاً أن تكون نسبة الطلاق عندنا قاربت السبعين بالمائة وإن لم يكن طلاق فعلي فتستمر الحياة على مضض بينهما لندخل في متاهات الطلاق العاطفي .
وهكذا نكون قد أوجدنا مشكلة كارثية لأن الوطن جعل من أمراً طبيعي " كارثة "

إن الله قد خلق المرأة وخلق الرجل ليُعمرا هذه الأرض سوية ، ولكي يُعمراها فلابد أن يعملا سوية ويحيا سوية ويتشاركا في بناء المجتمع سوية ، في البيت في العمل في الشارع في البيع و الشراء ، و بهذا فقط سيكون المجتمع مجتمعاً صحي ، غير أننا في هذا الوطن الذكر لا يلتقي بالأنثى إلا على الفراش ، مُغرمون نحن بالتكاثر والتناسل غاضين الطرف أن لاحياة سليمة مُقبلة على هذا النسل فليس هنا وطناً يستوعب ناتج لقائهما على الفراش !

فأين العلة ؟
العلة أن الدولة قامت بفضل الله ، ثم تأسست بالبركة .
ليس هنا قانون و دستور واضح و صريح يـُطبق على الكل و يغطي جميع إحتياجات المجتمع ، لذلك تدخل التدين عبر الإجتهادات الفردية ليعوض هذا الضعف في القانون ، ولأنها إجتهادات فردية فأمرها لم يخلوا من العادات و التقاليد التي أصبحت هي بحد ذاتها جزءً أساسياً من الدين ، ثم تم إلزام الجميع بتلك العادات بقوة القانون !!
طبيعي إذاً أن يكون الناتج " فوضى " و ماذا ستـُـنتِج الفوضى إلا فوضى ؟
أحد نتائج تلك الفوضى هو مفهوم " الإختلاط " الذي و بالمناسبة هو كمفهوم ليس حرام شرعاً و ليس مخالف حتى للعادات و التقاليد ، لكن و لأن القانون لم يستطع أن يوفر الحماية للمرأة و يلبي طلباتها حين لم يوفر عقوبات صارمة و أنظمة حازمة تحفظ لها حقوقها و توضح لها واجباتها ، هنا إنبرت الإجتهادات الدينية لتـُحرم الإختلاط تارة بإسم الشرع و تارع بإسم الأعراف ! ثم تبنى القانون تلك الإجتهادات الفردية !

عموماً ،،،
قد أصبح هذا المجتمع مجتمعً جاف بجفاف الأرض نفسها ، مجتمع عطشان للإرتواء فإن أسقيناه الأن فسيكون نهماً في الشُرب ، حينها حتماً ستحدث إنتهاكات و سينكشف المستور الذي حاولنا طمسه بتحريم الإختلاط !
بالإضافة إلى أن عقوداً من منع الإختلاط جعلت الكثير من العقول تـُفكر بشكل مشوه عند كلا الطرفين " الذكر و الأنثى " ، كمثال : عندما أقول لشخص لا تـُفكر في اللون الأزرق سيُفكر فيه ، ونحن منذ عقود نقول أن أي لقاء بين الذكر و الأنثى ستكون نتائجه كارثية ! ، فما هي النتيجة المتوقعة إن تم السماح بالإختلاط !
طبعاً أنا هنا لا أعمم ، لكن ستكون لدينا حالات مخجلة فعلاً .
لكن رغم هذا وحتى لا يستمر أبنائنا يدورون في نفس الدوائر الهامشية التي تهنا ونتهوه فيها كل يوم ، وحتى يعيش الجيل القادم حياة صحية لا صراعات فيها بين نصفي المجتمع فيجب أن يقتنع الجميع أن المرأة ليست باب الرجل إلى جهنم و أنها ليست أداة من أدوات الشيطان لإغواء الرجل .
وحتى لا يأتي بعد عشرة أعوام إبني أو إبنك ليكتب عن مثل هذه المواضيع فيرد عليه أحد أبناء الدول المجاورة " إنتوا لسه ما حليتوا مشاكلكم " ؟!

----------   ----------

أخشى فقط أن يأتي إبني غداً ليتسائل :

لماذا أهل بلدتنا يُمزقهم تناقضهم ؟ .. فهم في ساعات يقظتهم يُسبلون لحاهم و يتلحفون بالعبائات ، وحين الليل يطويهم يضمون التصاويرا (1) .

أو أن تتسأئل إبنتي أو إبنتك في المستقبل :

لماذا لا توجد في هذه الأرض مأساة كمأساتي ؟

لماذا الأبواب هنا لا تـُفتح ؟ .. لماذا الرغبات بمهدها تـُذبح ؟

لماذا في هذه الزنزانة الكبرى ، حـُبـِسن آلاف البرئيات بلا ذنب إلا أن العادات لا تسمح ؟

لماذا الله كور جسدي ودوره وسواني ؟

لماذا الله أشقاني بفتنته فأشقاه ؟

لماذا يستبد بي وطني ؟

لماذا يـُرهقني بأحاكمه ، فينظر لي كغانية يحرص أن أظل تحت رحمته ، كأني سر لعنته ؟

لماذا لا أقوى على الصراخ بملء حنجرتي : انا امرأة ، انا انسانة حية ، فلماذا ترونني حية ؟ (1) .



(1) من قصيدة لنزار قباني .. بتصرف

0 التعليقات :

إرسال تعليق