ها قد سرق صاحب الفضيلة !


مُبتسماً ، مزهواً ، مرتاح الضمير .
كيف لا و الوجاهة تطلبُه وهو إليها يسعى ، و الدنيا إليه تـُقِبل وهو فاتـحاً لها دراعيه ، وعلامات التُقى و الصلاح البادية على وجنتيه تـُبعِد عنه كُل الشُبهات .
وليس أسواء من السرقة إلا عدم تأنيب الضمير ، لأنه حينها سيتحول السطو إلى حق مُكتسب والسرقة إلى رزق مُقدر ، حينها لا حرج من الإبتسام وتقبُل المدح والثناء على كل هذا الكم من الأفكار النيـِره ، لا حرج من تحويل النصوص من حالة سرقة إلى إنها مـُجرد إقتباس ، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها نُسبت له .

ويا ليت صاحب الفضيلة قد أخد المعنى وترك الحرف لكنه سرق الحروف كلها ولم يستوعب أي معنى ، معنى أن التاريخ لن يُسجِل في صفحاته مآثر مُفكراً عظيماً تسلق على أكتاف الغير ، لأنه إن كان لايرى حرجاً في لطش أفكار الغير وجُهودهم وسهرهم فبالضرورة أن التاريخ سيعتبر كُل مآثره في الدنيا ملطوشة ، وستُدون مُلاحظة صغيرة على هامش التاريخ أن شيخاً مـُـفكراً كان يأخذ أفكار الصعاليك ليشحذ بها على أبواب المترفين ، حتى أتاه يوماً توعد فيه بالويل و الثبور على كل من قال : أين حقي ؟

---

الحقيقة التي توجع ، أننا مُجتمع لم يقدم للدنيا مفكراً تترك له بصمة في الحياة أو فيلسوفاً يحلق بالإنسانية إلى عوالم جديدة أو روائياً يشار له بالبنان، حتى المتدين القدوة الرمز لا أثراً له ، هذا وقد حرمنا كل أنواع الفنون !
هذا الخواء ترك في مجتمعنا خللاً وشقاً أكبر من عمليات الرقع ، في الأخير حاولنا أن نتدارك الوضع قبل فوات الأوان ، وقد فات الآوان عندما رقعنا الشق بدفع صاحب الفضيلة إلى منصة الفِكر و الثقافة دفعاً ، حتى يقال بأن لدينا مفكرون .
وكمحاولة لإقناع أنفسنا بأن الرقع قد إتسع لكامل الشق ، تجاهلنا حقيقة أن فضيلته لا يمتلك تلك الثقافة التي تؤهله لأن يكون في المقدمة ، تجاهلناها لرغبتنا أن لا يـُقال عنا مجتمع فارغ فِكرياً ، ثم وقفنا له نصفق أمام كل كلمة ينطق بها ، مع علمنا أن كل كلمة كتبها أو نطق بها أو " إقتبسها " لا تقدم شيئاً مفيد ، لكن التصفيق إستمر مع هذا ! .

---

الحقيقة التي توجع أكثر أن أغلب ما يقدمه مفكرينا اليوم لا يخرج عن إحدى إثنتين ، إما أنهم يسيرون وفق الخط الذي رسمه الخطاب الديني ، أو يسيرون فقط عناداً فيه !
مع العلم أن الثقافة الدينية لدينا تعتمد فقط على الإقتباسات بالمعنى الحرفي " ليس السرقة " ، وللتوضيح :
إن النهج المتبع في ثقافتنا الدينية هو نهجاً واحداً لا يتغير ، يبداء بآيات من الذكر الحكيم ، ثم الإستشهاد بالأحاديث الشريفة ، يليها تفاسير الأقدمين وشروحاتهم ، وقليلاً من أبيات شعر لأناس أخرين ، ثم الكثير من زرع الحماس في المتلقين عبر الإنفعال في الحديث .
المـُحصلة أنه تتكون من كل ذلك و بتلك الطريقة خـطبة عصماء تحسب لصالح الخطيب .
ثم ماذا ؟
ثم تـصطف تلك الخـطب الحماسية بعضها ببعض ، وتصنف بعناية ، ثم تـرسل إلى أقرب دار نشر بإعتبارها كتاباً معتبراً ، من تأليف سماحته .
فأين الجديد ؟
في الحقيقة أن ثقافتنا الدينية تقف إحتراماً للكم لا للكيف ، تهتم بصاحب أكبر عدد من الإصدارات ولا يهمها من يضيف ولو فكرة واحدة جديدة إلى عقل المتلقي .
( صوموا تصـِحوا ، صلوا تتنعموا ، قوموا الليل إلا قليلاً ) وحول هذا تـُدندن ثقافتنا ، لم يتحدث أحداً كيف نصوم عن كل أنواع الحرام ، عن سرقة المال العام .
كيف نتعامل مع العمل و الإنتاج كأننا في صلاة !
لماذا قيام الليل فقط للصلاة ، لماذا لا نشجع على الإبتكار و الناس نيام !

ثم إن فضلته هو إبن هذه البيئة ، كان خطيباً من الطراز المتوسط " رحم الله عبدالحميد كشك " ، يصف بعض آيات بجانب أحاديث ، ويحفظ قصائداً لها وقعاً جميل ، ثم يجمع كل ذلك لزرع الحماسة في قلوب المستمعين .. و السلام !
قد عاش حياته على هذا المنوال .
ثم فجأة وجد المجتمع يدفعه دفعاً إلى منصة الفكر وواجهة الثقافة، كأنه لم يعي أن المجتمع يحاول أن يسد به شقاً لا يرقع ، وكأن المجتمع لم يعي أن رقعته لا تتناسب والشق أبداً .
كل طرف كان سعيداً بعدم وعي الأخر ، كل طرف كان يبحث في الأخر عن ما يحقق به مصلحة آنية .
وكانت الفاجعة ، و تفاجاء الجميع .
المجتمع تفاجاء كيف بمفكراً عظيم ومثقفاً جهبذ ، يسرق النص بالحرف .
و الشريف هو الأخر تفاجاء كيف كان المجتمع يصفق له عندما كان يقتبس في بداياته ، وكيف الأن يـُسمي إقتباساته سرقة ! .
بل كيف كانت إقتباساته في الماضي تقوي إيمان المؤمنين ، ليصبح اليوم في عين الجميع قاطع طريق ! .


يا سادة ،،،
إن المسألة كلها لا تعدوا كونها سؤ تقدير .
هو كالكسيح إلي يسرق من الحافي نعاله .

0 التعليقات :

إرسال تعليق