المرأة السعودية .. بين النور و النار

عندما يتحدث شخص ما سواءً كان ذكراً أم أنثى عن المرأة السعودية و عن حالها في المجتمع و عن حقوقها فغالباً ما تكون الغاية من الحديث هي البحث عن الشهرة ، فقد أصبح الحديث عن المرأة السعودية من أنجح السُبل لتحقيق الإنتشار الإعلامي و من أضمن الطرق التي يُسوق بها المُتحدث لنفسه .
حسناً .. هذا الموضوع ليس إستثناء ..

---
إن الخطاب الإعلامي السعودي والأمر لا يحتاج إلى إيضاح هو خطاب يحتكره الرجل بإمتياز لكن أمام قضايا المرأة السعودية فإن الخطاب الإعلامي يعرض القضية بروحً ذكورية و واجهة أنثوية !
للتوضيح : أن الرجل عندما أراد الحديث عن المرأة إعتقد أن أنسب أسلوب للحديث عنها هو أن يتحدث عنها بحسب طبيعتها ، بمعنى أنه خطاب عاطفي لأبعد درجة ، مـُتباكي جداً ، لا يعرض إلا القضايا التي تـُذكي الشفقة ، لهذا أيضاً نجد الخطاب الإعلامي الذكوري يعرض قضايا المرأة وهو ناكراً للجمائل التي أهداها المجتمع إلى المرأة !
هو خطاباً ذكورياً يتحدث بعاطفة أنثوية ! ، فأخرج القضية للإعلام بشكل باهت لا يستسيغة أحد !
وللأسف فإن هذا النوع من الخطاب الإعلامي " المسخ " أصبح مع الوقت هو السائد ، لدرجة أن المرأة نفسها أصبحت عندما تريد الحديث عن قضاياها فإنها تلتزم بأسلوب هذا الخطاب دون أن تحيذ .
وللأسف أيضاً أن هذا الأسلوب غير مُجدي بدلالة أنه لم تحل أيً من قضايا المرأة ، فلا يُمكن أن يتحدث الإعلام عن المرأة كما تتحدث المرأة عن نفسها لأن أكثر من يكره المرأة هي المرأة نفسها .

---

بالأمس القريب كان الخطاب الأبرز هو ذلك الخطاب الذي يرى المرأة على أنها مخلوق أقل شأناً من الرجل و بأنها باب إبليس إلى أدم ، كان و مازال يقدم خُطباً و مُحاضرات لم يمل أصحابها من إلقائها على أسماعنا صباح مساء ليس فيها إلا الأحاديث التي تحط من قدر المرأة ، خطاباً بصفها كجوهرة ثمينة يجب أن تظل دائماً حبيسة البيت للحفاظ عليها ، و المشكلة أن هذا الخطاب لم يـُلزم المرأة بيتها ولن يـُلزمها لأنها مخلوقة لإعمار الأرض كالرجل !!
ورعم أن ذلك الخطاب قد عفى عليه الزمن " نوعاً ما " حيث لم يعد يصلح اليوم نظراً لأن الإعلام إتسع والعقول تفتحت وبدأ المجتمع يعي أن المرأة يجب أن يكون لها دوراً في المجتمع ، و أن الناس بدأت تـُدرك أن المرأة أكبر من كونها جوهرة ثمينة توضع في البيت كتحفة ! بدلالة أن الجالسات في بيوتهن لسن المتحكمات فالتي تتحكم هي الخادمة !
والمشكلة الأكبر أن جلوس المرأة في بيتها لم يـُخرج لنا جيلاً يـُعال عليه ! فأين الخلل ؟
ثم ما فائدة جلوس المرأة في بيتها و تفرغها لتربية أبنائها إبتغاء مرضات الله إن كانت تربية أبنائها ستضيع هباءً أمام مشاكل البطالة و إرتفاع المهور و الأسعار و قلة الرواتب ، ماذا ستزرع المرأة في بيتها إن الفساد في الخارج سيأكل كل الثمار الطيبة !
أسئلة لم و لن يـُجيب عليها الخطاب المتخلف تجاه المرأة ، ذلك الذي يحط من قدرها عندما يريدها أن تكون جوهرة .

ولأن ذلك الخطاب قد تقزم ، و لأن الجيل بدأ يعي شيئاً من فوضى ذلك الخطاب ، كان لابد من إستحداث خطاباً أخر ، خطاب يتلائم مع الإنفتاح ، فنتج خطابً مـُختلف في المظهر أما المضمون فيكاد لا يختلف ، نعم أتحدث عن الخطاب الحداثي تجاه المرأة ، الخطاب التنويري ، هذا الذي يستخدم المصطلحات التي يـُدغدغ بها مشاعر المرأة ليـُشبـِع عاطفتها دون أن يهبها أي حق قد حـُرمت منه !
خطاباً تحسبه المرأة صديقاً لها و هو في الحقيقة ليس إلا النسخة المعاكسة للخطاب الديني ، كلاهما لا يقدمان حلاً سوى " الدردشة " .

إن الخطاب الجديد يتحدث ويُركز في حديثه عن المرأة كأنثى أكثر شيء لا عن المرأة كعاملة أو كمُعنفة أو كأم تحلم بمستقبل واضح المعالم لأبنائها ، خطاباً يهتم بإذكاء الأنوثة في المرأة بشتى الطُرق وكأن مُشكلة المرأة السعودية أنها تفتقر للأنوثة ! فهو دائماً يرى المرأة في ككائناً جميل رقيق عطوف حنون والكثير من المديح المُبالغ فيه حد الإزعاج .
خطابً جديداً في مظهره أما المخبر فلم يتغير أبداً ،فالخطاب الديني يصف صوت المرأة أنه عورة ، ثم جاء الخطاب الحديث ليخبرها بأن صوتها ليس بعورة ، فراحت هي تدافع عن صوتها تارة و تصيح به تارة أخرى " رغم أن قضيتها ليست في صوتها ! " .
خطابان غايتهما أن يـُشغلا المرأة بنفسها عن حقوقها ، فقط لكي تلتهي عن المطالبة بما تستحقه فعلاً ، وهي تستحق أشياءً أكثر من أن تربي أبنائها أو أن تقود بهم السيارة لتلبية مطالبهم ، أكبر من صوتها .
هما خطابان يجيدان اللعب على الهوامش جداً يغرقان إن خرجا عن الخطوط المرسومة ، ولا فرق أبداً بينهما فالديني أخو التنويري غير أن أن الأول لا يلبس عقالاً و الثاني يـُصر على لبس العقال !
الخطاب الديني يصر على تقديم جسد المرأة على أنه بابً من أبواب جهنم حتى جعلها تتوارى عن المجتمع و تنزوي داخل البيت ، و الخطاب التنويري قد لمع جسدها حتى شعرت بالخجل منه ، وكلاهما يعلمان أن مشكلة المرأة ليست في جسدها ! بالتالي فالغاية هنا واضحة ، أن الخطابان يريدان أن يخلقا لها مشاكلاً لن تجعلها تتقدم حتى و إن تخطتها .

وأعظم البلايا أن المرأة نفسها عندما تتحدث عن قضاياها أصبحت تدور في نفس الحلقات التي رسمت لها ، فمتى تدرك ما تريد لتنطلق من هناك ؟

---


أين الخلل ؟ .. لا أدري
إلى أين سينتهي هذا الإسفاف بحق المرأة ؟ .. لا أدري
لماذا تـُمتهن المرأة السعودية تارة بإسم الدين و تارة بإسم الحداثة ؟ .. لا أدري
ولا أدري أيضاً ، لكنه مُجرد حدس بأن هنالك من يُجيد التلاعب بالمرأة وبقضاياها لإشغالها بنفسها عن حقوقها و إشغال المجتمع بها عن إحتياجاته و حقوقه .

ونحن أينما ذهبت بنا الريح تمايلنا !

0 التعليقات :

إرسال تعليق