العصا يا شيخ ليست خيزرانة

 



معالي الشيخ "عبدالله المطلق" –جزاه الله خيراً- ينصح بعودة الضرب التأديبي للمدارس، موضحاً أنه ضرب منضبط بضوابط محددة هدفه كسر عنتريات بعض الطلبة.
حسناً، لنفترض أن وزارة التعليم فعلاً أصدرت قراراً يسمح لإدارات المدارس بمعاقبة الطالب بالضرب، وأنها صرفت لكل إدارة مدرسية حزمة خيزران، ولنفترض أن الطالب المسيء نال العقوبة فعلاً وأنضرب لين عض الأرض، فهل راح تنحل المشكلة؟!.

في البداية، هي نقطتين وجب التنويه عليها،،
النقطة الأولى أن كون الطالب يقف موقف الند للند أمام المعلم فهذه أبداً ليست بمشكلة، إلا إن أردنا التعامل معها كمشكلة، المسألة تشبه استنكار الشيخ إذا عارضه أتباعه، أو المثقف إذا ناقشه قراءه، وهذه ليست مشكلة إلا عند السادة المستنكرين أنفسهم.
النقطة الثانية هي أن الطالب ليس وحده من يقف اليوم موقف الند للند أمام المعلم، إنما يشاركه في هذا الأمر كل شاب وفتاة، بمعنى أن الشباب يقفون اليوم أنداداً أقوياء أمام الشيخ والمثقف والمعلم والكاتب، أمام الوزير والأمير، بالمختصر الأبناء اليوم أنداداً لأبائهم وهذه حقيقة علينا تقبلها برحابة صدر.

الآن، ما هي المشكلة؟!.
المشكلة في حقيقتها ليست عند الطالب ولا المعلم، المشكلة عند وزارة التعليم التي لم تنتبه في عام 1999م للواقع الجديد الذي سيقبل عليه المجتمع السعودي، ففي ذلك العام سمحت الحكومة بموجب قرار وزاري للمجتمع أن يستفيد من خدمات الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وتلك هي اللحظات الأولى التي بدأ فيها الإنفجار المعلوماتي المعرفي الذي لم تحسب له الوزارة أي حساب، لم تنتبه لحقيقة أن أول من سيتلقى هذا الإنفجار ويتعامل مع كل هذا الكم من المعلومات هم الشباب.
غفلة الوزارة هي ما جعلت أشخاصاً فضلاء أمثال الشيخ "عبدالله المطلق" يستنكر كما يستنكر الكثيرون كيف تكون للطالب هيبة أمام المعلم، وكما أسلفت، هذه الهيبة للشباب عموماً ليست مشكلة، لأن هؤلاء هم الأكثر معرفة وقدرة على الوصول للمعلومة، بالتالي هم اليوم من يملكها، ومن يملك المعلومة هو من يملك الهيبة.

المعلومة يا فضيلة الشيخ وليست الخيزرانة هي العصا التي كان يهش بها المعلم على الطلبة، إمتلاك المعرفة والمعلومة هذا هو سر هيبة المعلم في الماضي، أما بعد دخول الإنترنت فقد سقطت هذه العصا من يد المعلم والشيخ والمثقف، وتلقفها الشباب على مختلف توجهاتهم حتى أصبحوا هم من يملك المعلومة بالتالي يحق لهم الوقوف موقف الند للند أمام الجميع.

يقول الشاعر [ قف للمعلم وفه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولا ] والحقيقة أن شبابنا اليوم يقفون تبجيلاً لمحرك البحث "قوقل" وللذكاء الصناعي البرمجي، وللتعليم المجاني المتوفر على الإنترنت، ولليوتيوب بما فيه من ملايين المقاطع التعليمية والتدريبية والتثقيفية الوثائقية، هذا وأكثر من هذا هو ما يبجله الطالب اليوم، وهذا تحديداً ما تفتقده المدارس، وإفتقاد المدارس لكل هذه الأدوات تتحمل جريرته وزارة التعليم التي لاتزال تعتمد على نفس النظام التعليمي الذي كان معتمد قبل دخول الإنترنت، صحيح أن هنالك تغييرات جيدة قامت بها الوزارة كتغيير المناهج وإدخال التقنية في بعض المدارس، لكن هذه التغييرات رغم كونها جيدة إلا أنه لا علاقة من الأساس بالموضوع.

الموضوع أنه كان من المفترض بالوزارة أن تنظر للطالب لا على أنه مجرد متلقي للمعلومة إنما باحثاً عنها، أن تساعده للوصول للمعلومة وجمعها ومن ثم صناعتها، لكن ولأن الوزارة أصرت على التعامل معه على أنه متلقي فقط وأن هذا دوره الوحيد فطبيعي أن تتوتر العلاقة بين المعلم وطلابه وستستمر في التوتر أكثر وأكثر، وطبيعي أيضاً أن يتسائل المجتمع في عام 2018، هل نعيد الخيزرانة في يد المعلم أم لا؟، والمشكلة ليست في الخيزرانة إنما في العصا، والعصا هي المعلومة التي سقطت بفضل وزارة التعليم من يد المعلم وتلقفها الطالب، هذا ما حصل، لكن عفا الله عما سلف، ونحن أبناء اليوم.

واليوم يا وزارة التعليم إنتهت مرحلة الإنفجار المعلوماتي المعرفي، ودخلنا في مرحلة هيمنة التقنية والتكنولوجيا على التعليم، بمعنى أنه بعد سنة أو عشرة سنوات سيتغير نظام التعليم جذرياً، الدول من حولنا تحضر لمرحلة تعليمية تكون فيها التكنولوجيا هي المتحكم الفعلي في التعليم، ومن الأفكار المطروحة في هذا الجانب أن يتم إعتماد أجهزة المحاكاة أو أجهزة الواقع الإفتراضي، وقد يكون المعلم في ذلك التعليم -القريب جداً- معلم إفتراضي أو قد يكون معلم آلي متصل بالإنترنت، ومن الأفكار المقترحة أن يتم إعتماد تقنية التجسيم أو الهولوغرام، وهنالك دراسات تتحدث عن تعليم مستقبلي بلا مدارس ولا مدرسين ولا كتب، والحديث هنا ليس من نسخ الخيال العلمي، فكل هذه التقنية مستخدمة الآن ويجري تطويرها فعلياً لتتلائم مع التعليم غداً.


أمام كل هذا التطورات التكنولوجية التعليمية المقبلة، هل ستكرر الوزارة نفس أخطاء عام 1999م؟.
إن لم يتم التحرك الآن فهي سنوات معدودة وتصبح المدارس بكل العاملين فيها عبئاً على المجتمع وعلى الدولة، إن لم تضع الوزارة خطط فعالة ومتواكبة مع كل هذا التقدم التقني التكنولوجي الهائل فسيطل علينا في العام 2030 شيخ وقور آخر لينصح ببرمجة كم خيزرانة لكي يستطيع المعلم الإفتراضي أن يكسر عنتريات الطلبة.

0 التعليقات :

إرسال تعليق