"السحيمي" ظالم ولكن !!


السحيمي حين تكلم عن الآذان، تكلم بحدة وإنفعال شديد وبلا سبب منطقي، وهذه جريرته، بل هذا ظلمة الذي أوقعه على نفسه قبل المجتمع، فالقضية لا تحتمل كل هذا الإنفعال الذي دفعه لأن يصف الآذان بأوصاف غير لائقة، مثلاً بأنه أمراً مفزع ومرعب ومخيف وأنه وسيلة لنشر القلق في المجتمع، ومما زاد الطين بِلة حين أردفت المذيعة بأن المشكلة أيضاً في قرب المساجد من المناطق الآهلة بالسكان، وكأن الحديث هنا عن مفاعلات نووية على وشك الإنفجار وليس عن مساجد كل قضيتها تتلخص في سوء تنظيم، وهي ليست بالقضية الكارثية أو المصيرية.

بإختصار إن مشكلة السحيمي في أسلوب عرض الفكرة لا في الفكرة ذاتها، لم يطالب بهدم المساجد على رؤوس المصلين، لم يدعوا لمنع الآذان، إنما طالب بتنظيم المسألة وهو ذات الأمر الذي دعا إليه الكثير من العلماء والمصلحين بل وسعت إليه بعض المؤسسات المعنية.

**

كوننا دولة التوحيد فهذا لا يعني أننا لسنا في دولة مدنية، والمفهومان لا يتعارضان، لكن لأن بيننا من يستصعب التنظيم فنجده يشرعن للعشوائية والفوضى، والمساجد تحديداً في الأحياء العشوائية في حاجة لإعادة تنظيم فعلاً، فلا يصح بناء المساجد بطريقة فائضة عن حاجات اهل الحي، لأن في بعض الأحياء تتزاحم المساجد لدرجة أن المسجد والآخر لا يفصل بينهما سوى 100 متر وأحياناً أقل، وكل مسجد في هذه المسافة القصيرة يتنافس مع الآخر في رفع صوت الآذان، وكأن المسألة سباق يسعى فيه كل مؤذن لأن يصل صوته لأبعد مسافة ممكنة،  كي يشهد له أكبر عدد ممكن يوم القيامة بالخير والصلاح!.
المشكلة أيضاً أن بعض المؤذنين –أثابهم الله- يُخيَل للسامع لهم أنه يستمع لأناس لازالوا يعيشون زمن الغزوات والفتوحات، فطريقتهم في الآذان توحي بأن أمراً جلل وكرباً عظيماً على أبواب الحي، وكأننا مقبلون على معركة حامية الوطيس!، مثل هؤلاء المؤذنين في حاجة ماسة لدورات مكثفة في كيفية تلحين الآذان، فالمسألة في الأخير هدفها ترقيق القلوب لا إفزاعها.

**

عموماً، موضوع الآذان وتزاحم المساجد له عدة أوجه يصعب حصرها، إنما أردت الحديث هنا عن ردة فعل المجتمع.
لماذا المجتمع شديد الإنفعال؟!، سواءً في هذه القضية أو في غيرها.
لماذا نحن قومٌ نُستثار بسرعة أمام كل القضايا تقريباً؟، فلا يكاد يتحدث شخص إلا ويوزن حديثه بميزان الحلال والحرام، الخير والشر، وغالباً ما تميل كفة الحرام والشر في ميزاننا، بمعنى أننا غالباً ما نلقي بالمتحدث وبكل حديثه في الزاوية المظلمة، سواءً كان المتحدث شيخاً أو مثقفاً، غالباً هو في عرفنا يريد بنا شراً، إن قال لا فهو الرجعي، وإن قال نعم فهو التغريبي، إن قال لها تحرري يا إمرأة فهو الماجن، وإن قال لها تستري يا أختاه فهو الظلامي، أما إن قال نظموا الآذان فهو نديم الشيطان وأنيسه.

في رأيي أن أحد أهم الأسباب التي جعلت أخلاقنا ونفسياتنا على حدِ السيف دوماً، هو صراع التيارات الطويل والممل، عقوداً والتياران (الليبرالي والإسلامي) يحاولان أن يجيشا المجتمع ضد بعضهما البعض، عقوداً وكل تيار يحاول أن يوهم المجتمع بأنه اللاعب الرئيسي على الساحة، وربما هذه هي مشكلة السحيمي، أنه لا يزال متلبساً بهذا الصراع، الأمر الذي جعله يصف مسألة تداخل أصوات الآذان بأن وراءها أيادٍ خفية، وأنها حركة صحويه تخدم أجندات معادية! (أهدى من كذا يا تنويري) المفارقة هنا أن هذا الرأي هو بالضبط الذي تبناه التيار الإسلامي قبل ما يقارب الخمسين عام، فعند بداية دخول مكبرات الصوت خرج الشيوخ من المساجد يستنكرون بل ويحرمون حتى الصلاة خلف إمامٍ يستخدم مكبرات الصوت، وحجتهم كانت أن وراء مكبرات الصوت أيادٍ تغريبيه خفية، وأنها مؤامرة تخدم أجندات معادية.

المغزى هنا أن صراع التيارات لم يتغير أبداً، لا يزال يسير بنفس العقلية، عقلية حرب الضرائر، حيث كل زوجة تحاول إقناع بعلها أنها الأجمل، وأن الأخرى هي الأقبح، في الأخير فقد بعلهن الغلبان –المجتمع- أعصابه تماماً وأصبح يثور على أتفه الأسباب.

أخطأ السحيمي ولاشك لكن الإخوة المعترضين الأعزاء ليسوا بتلك البراءة والوداعة، هم أيضاً لم يثوروا لأنهم مقتنعين بأن أصوات جميع المؤذنين كأصوات العصافير، إنما ثاروا لأنهم ببساطة وجدوا الفرصة المناسبة لضرب التيار الليبرالي فأستغلوها، وغداً سيظهر شيخاً أو داعية ليقول رأيه الشخصي في قضية هامشية وسيثور التيار الليبرالي بدوره (لا جديد تحت الشمس) هو نفس الصراع بنفس اللغة والأدوات ونفس الغباء.
هذا الدوران في هذه الدائرة المغلقة هو ما جعل المجتمع الحليم حيراناً على طول الخط، صراخ التيارات وكل هذا الزن المتواصل في محاولة إثبات كل طرف أنه الأجمل، هذا ما جعل المجتمع في الأخير مصاباً بالأرق .. بمعنى أن مجتمعنا في الحقيقة ليس متيقظاً فطِن إنما مستيقظاً بالإكراه.

هناك تعليق واحد :

  1. شكرًا لمؤسسات الائتمان على القروض لمساعدتي في الحصول على قرضي. لقد كان أمرًا رائعًا أن أتلقى قرضي بقيمة 8,000,00 ريال عماني
    من شركة القروض الخاصة هذه. اسمي عبد الفتاح من مدينة مسقط عاصمة عمان. لقد حصلت على قرضي من شركة القروض ذات السمعة الطيبة هذه في 24 نوفمبر 2023، وأريد استخدام هذه الوسيلة بسرعة لإخبار الجميع هنا أنه يمكنك الحصول على أي قرض من شركة القروض ذات المصداقية هذه. يقدمون القروض بأسعار فائدة منخفضة وبسرعة كبيرة. للحصول على قروضك يرجى التواصل معهم على رقم الواتساب: +393512114999 أو +393509313766. البريد الإلكتروني: Loancreditinstitutions00@gmail.com. WhatsApp: +393512640785 يرجى الرجوع إلى من يحصل على قرضي من شركتها.

    ردحذف